نشرت تحت تصنيف قضايا إجتماعية، تنمية ذاتية، علم نفس

الحاجة والاختراع

شعور الحاجة هو المُحفز الرئيسى للإنسان للفعل والعمل، كما لعبت الحاجة الدور الرئيسى فى عملية البحث والابتكار لدى الإنسان طوال التاريخ، وما تبع ذلك من ظهور الاختراعات طوال الوقت لسد حاجات الإنسان ومُتطلباته . ظهر المثل الإنجليزى القديم ” الحاجة أم الاختراع ” مؤيداً لهذه الفكرة ومُصدقاً عليها ، وهو يعنى أن الحاجة هى المُحرك الرئيسى والدافع الأكبر لأغلب الاختراعات الحديثة . سار الاختراع ملازماً لسد احتياجات الإنسان البدائى من مقومات الحياة الأساسية فى المأكل والشراب والسكن فصنع آلات الصيد وأوانى الطعام والمياه وسكن فى الكهوف ثم تعلم بناء المنازل واكتشف النار واخترع اللغة للتواصل مع الآخرين . بعد ذلك حاول الإنسان أن يرتقى أكثر فى سلم الحضارة فبحث عن التقدم والرفاهية وبدأ فى إشباع الحاجات العقلية فظهر العلم والثقافة وانتشرت بفضل اختراع الكتابة وبداية تدوين العلوم والفنون والتاريخ الإنسانى . كلما زاد التقدم العلمى والحضارى كلما زادت حاجات الإنسان وزادت كذلك الابتكارات والاختراعات لتلبية هذه الاحتياجات ، فالعقل البشرى يرفض كل ما هو غامض ويسعى دائماً لكشف المجهول وتفسير الظواهر الطبيعية والعلمية وحل المشكلات الإجتماعية وإيجاد علاج للأمراض الحديثة والقدرة على التنبؤ بالكوارث الطبيعية وأحوال الطقس قبل أن تحدث للتعامل معها بشكل أفضل .

فى العصور الحديثة لم تعد الحاجة وحدها هى المحرك للاختراع بل أصبح الاختراع هو فى حد ذاته من الحاجات الأساسية وهو يأتى متقدماً على الحاجة ، فكثير من الاختراعات الحديثة تأتى من فضول طبيعى لدى العلماء والأشخاص أو من التجربة والبحث فى الاختراعات السابقة بدون حاجة مُحددة مسبقاً لإشباعها ، بعد ذلك يقوم الناس بتجربة الاختراع الجديد ومع انتشاره بين الناس يُقرر المجتمع فائدة الاختراع الجديد ويُقبلوا عليه أو عدم الفائدة من ورائه ويبتعدوا عنه ، كما تلعب شركات التسويق والدعاية دور كبير فى إقناع الجماهير بأهمية وفائدة الاختراعات والأجهزة الحديثة والحاجة لها للترويج لمنتجاتها وتحقيق الأرباح الوفيرة ، ويظهر ذلك بصورة كبيرة فى توالى ظهور تحديثات جديدة كل فترة على نفس السلع والاختراعات القديمة لجذب الجمهور دائماً لشراء الجديد للحصول على ميزة أو أكثر تم تعديلها على ماهو قديم ، مثال على ذلك السيارات والهاتف المحمول وجميع الأجهزة الإلكترونية حتى الوصول لماركات الملابس وصيحات الموضة الجديدة ومُحاولة ابتكار أنواع جديدة من الطعام والمشروبات وكذلك فى الفنون والآداب .

هرم ماسلو للحاجات

هرم ماسلو عبارة عن نظرية وضعها العالم الأمريكى (أبراهام ماسلو) فى ورقة بحثية بعنوان (نظرية الدافع البشرى) عام 1943م ، بعدها قدم نظريته بشكل أكثر تفصيلاً فى كتاب (الدافع والشخصية) عام 1954م ، حققت النظرية شهرة كبيرة وتم استخدامها فى مجالات وعلوم عديدة فى علم النفس وعلم الإجتماع والإدارة والتنمية البشرية والتدريس وقياس القدرات ، تقوم النظرية على أن الإنسان لديه 5 أنواع من الإحتياجات يسعى لتحقيقها وضعها ماسلو فى صورة هرم قاعدته الحاجات الرئيسية ، وأن الإنسان ينتقل بعد إشباع الحاجات الأساسية لمحاولة إشباع الحاجات الأخرى بالترتيب حتى الوصول لقمة الهرم ، قَسم ماسلو الحاجات لفئات هى ( الحاجات الفسيولوجية _ حاجات الأمان _ الحاجات الإجتماعية _ الحاجة للتقدير _ الحاجة لتحقيق الذات ) .

هرم ماسلو للحاجات
  • الحاجات الفسيولوجية : هى الحاجات اللازمة للحفاظ على حياة الإنسان مثل التنفس والطعام والماء والجنس والإخراج والنوم ، قد يلجأ الشخص الذى يعانى من نقص هذه الحاجات لإشباعها بشكل مُبالغ فيه بعد توفرها مثل ميل الفقير بعد أن يصبح غنى للشراهة فى الطعام والشراب أو الزواج لمرات عديدة .
  • حاجات الأمان : بعد إشباع الحاجات الجسدية يلجأ الشخص للحاجات التى تعطيه شعور الأمن والطمأنينة كالسلامة الجسدية من العنف والإعتداء والأمان الوظيفى والأمن الصحى والعائلى والأمن المالى وكل ما يمكن أن يُحقق الشعور بالأمان فى المجتمع .
  • الحاجات الإجتماعية : تأتى بعد ذلك الحاجات الإجتماعية للشخص من العلاقات العاطفية والعائلية والحاجة للإنتماء والقبول من الآخر وتكوين الصداقات ومساعدة الآخرين ، مع غياب إشباع هذه الحاجات قد يُصبح الشخص مُعرض للقلق والعُزلة والاكتئاب .
  • الحاجة للتقدير : هى حاجة الشخص لتحقيق مكانة مرموقة فى المجتمع أو الوصول لمنصب رفيع مما يعطيه الشعور بالثقة فى النفس والقوة واكتساب الاحترام من الآخرين مع الرغبة فى الظهور والتميز فى العمل .
  • الحاجة لتحقيق الذات : هى قمة هرم ماسلو أو الحاجات العليا وتتمثل فى حاجة الإنسان لتسخير كل مواهبه وقدراته ومهاراته لكى يتمكن من تحقيق القدر الأكبر من الإنجازات والابتكارات المُهمة بالنسبة له ليصل للشعور بالرضا والسعادة نتيجة لذلك .

تم تحديث النظرية بعد ذلك وأُضيف لها (الحاجات المعرفية) من الرغبة فى الاستكشاف والتعلم ، و (الحاجة إلى الجمال والفن) ، كما أشار ماسلو فى كتاباته الأخيرة إلى أن قمة هرم الحاجات الإنسانية ليست فقط تحقيق الذات بل هى (تجاوز الذات) أو السمو الذاتى ومحاولة مساعدة الأشخاص الآخرين على تحقيق الذات .

الدنيا مبتديش محتاج

لكل شخص حاجات يرغب فيها ويُجاهد لتحقيقها بكل الوسائل لكن فى الغالب الدنيا لا تعطى للفرد كل حاجاته ، كما أنها فى كثير من الأوقات لا تعطى الشخص ما يريد فى حالة السعى الشديد للحصول عليه وربما تعطيه نفس الأمر بعد أن يتركه وينساه وبدون بحث أو مقدمات ، فتجد من يريد إنجاب طفل ويطرق أبواب الأطباء جميعاً فلا يُفلح وبعد أن يصل لليأس ويستسلم للقدر وينسى الأمر يتحقق الحمل والإنجاب فجأة ، ومن يبحث عن العمل أو الزواج لفترة طويلة دون توفيق وبعد أن يفقد الأمل يتحقق المُراد وكأنه معجزة إلهية أو أمر مُفَاجىء دون سابق نذير . والمثل الشعبى يقول أن ” الدنيا لا تُعطى المحتاج وقد تعطى المُستغنى ” ، وقد لا تُعطيك ما تريده رحمة بك لأن ليس به الخير الذى تظنه فيه فمن يستطيع أن يجزم بما سيحدث فى المستقبل ؟! ، أو أن يعرف حقيقة الخير والشر فيما يريد ؟

اختراع للمصافحة بدون اللمس

لذلك يجب أن نطلب ما فيه الخير والكرامة من الله ومن الناس دون التذلل والخضوع المُبالغ فيه كما ورد فى الحديث الشريف :

اطلبوا الأشياء بعزة نفس فإن الأمور تجرى بالمقادير

وأن نتعلم الرضا والحكمة الإلهية وراء كل ما يحدث ، فالدنيا قد لا تُعطى الإنسان كل ما يريد لكنها ربما تعطيه ما تراه مناسباً له أو ما يستحقه .

نُرشح لك للقراءة : الحياة والدراجة

نشرت تحت تصنيف تنمية ذاتية

الحياة والدراجة

الحياة حركة دائمة لا تتوقف مهما كانت الصُعوبات والأزمات ، فهناك دائماً ما هو جديد ومُختلف فى ما هو قادم ، أحداث جديدة تحمل الفرح والسعادة أو تجلب الحزن والشقاء ، لكنها تستمر فى طريقها للأمام مهما حدث . الإنسان هو الكائن المُسيطر على الأرض ولذلك يجب أن يواكب حركة الحياة ويتحرك بدوره ليلحق بحركة سير الحياة التى لا تنقطع ولا تتوقف للراحة، فيبدأ تحركه منذ الولادة بل يُسجل الحركة فى بطن الأم قبل النزول على سطح الأرض وكأنه يتدرب لما هو قادم من حركة وسير لا يتوقف إلا مع نهاية الحياة . يبدأ الطفل الحركة على اليد والقدم ثم يحاول النهوض ليسير على القدمين فقط فيتعثر مراراً وقد يسقط أكثر من مرة قبل أن يُجيد تَعلُم المشى ثم يفكر بعدها فى الركض ، وتسير الحياة على نفس الصورة فهناك دائماً الأهداف التى نريد الوصول لها ، وهناك الصعوبات وطريق التعليم الطويل الذى ينبغى أن تسير فيه حتى تصل لما تريده . يُمكن أن تحصُل على بعض المساعدات من أشخاص آخرين تُعينك على إجتياز الصعوبات والطريق الطويل ، أو أن تسير بمفردك دون عون لكنه فى جميع الأحوال طريقك وحدك ويجب أن تجتازه للوصول لغايتك وهدفك .

والحياة كنهر مُتدفق لا ينظر للخلف ولا يتوقف ، وليس أمامك سوى أن تتعلم السباحة فى النهر قبل أن تُلقى بنفسك فيه وإلا فأن مصيرك المحتوم هو الغرق والفناء ، وسيستمر النهر فى طريقه ولن يُبالى بك أو بغيرك من الغرقى ، هو يمضى فى طريقه المرسوم وأنت يجب أن تسير فى طريقك المَأمُول . العزيمة والإصرار والصبر والعمل ، أشياء ومُحفزات تساعدك فى رحلتك نحو الأهداف فتحلى بها ولا تُهملها أبداً ، وكذلك الشغف والعلم كلاهما يلعب دور الزاد والوقود المُحرك للفرد والمجتمع نحو التطور والاِرتقاء لما هو أفضل . الثقة فى النفس ومُداومة التجريب والتَعلُم تصنع التقدم والإتقان فى ما تفعله ، مع ضرورة التَقبُل والتسليم بأن التطور سيأتى بشكل تدريجى ويحتاج لبعض الوقت والمجهود والتركيز .

دراجة طائرة نحو القمر

الدراجة والتوازن

نتعلم من قيادة الدراجات أن التوازن والتبديل المُستمر هو أساس الحركة الميكانيكية للدراجة ، وكذلك فى حركة سير الحياة يجب أن تحظى بالتوازن بين أشياء كثيرة لتسير للأمام وبدون التوازن يكون التعثر والسقوط . أن تنجح فى التوازن بين العمل والراحة والترفيه فتُعطى كل منهم وقته ، التوازن بين الجسد والروح فى ما يطلبه كل عنصر من أشياء مادية ومعنوية ، التوازن فى ربح الأموال وإنفاقها بما لا يُسبب الضرر ، التوازن فى علاقاتك بالآخرين للوصول لمنافع مُشتركة وعدم جلب المشاكل لأحد الأطراف ، التوازن فى حالة الفرح والحزن لكى يتمكن العقل دائماً من تقدير الظروف فى حجمها الطبيعى بدون تهويل أو تهوين ، التوازن فى تربية الأبناء بين الشَّدَّة واللين لإنشاء أطفال أسوياء قادرين على تخطى صعاب الحياة والاستمتاع بمَسراتها ، التوازن بين العمل والعبادات فتتمكن من الإنجاز والتقدُم وتصل الروح للصفاء والطمأنينة .

الضغط المتواصل على البدال فى الدراجة يُقابله العمل فى الحياة ، وكما يجب أن تواصل الضغط على البدال لكى تتقدم الدراجة وتسير فإنك يجب أن تواصل العمل فى الحياة لتتقدم نحو الأمام مهما كانت الظروف المُحيطة . عندما تبدأ فى التبديل تمتلك همة عالية وإرادة قوية فتسير الدراجة بسرعة عالية ، وبعد فترة يُمكن أن تُصاب بالتعب والفُتور فتقف لتستريح قليلاً وتلتقط الأنفاس بعد مجهود طويل ، بعدها يجب أن تعود للتبديل ثانية لو أنك تريد الوصول لهدفك حقاً لأنك لو توقفت لفترة طويلة أو تبطأت فى السير فسيتخطاك الجميع فى سباق الحياة المحموم وستُصبح الخاسر بجدارة ، فالحياة لا تعرف سوى قانون الحركة والتطور الدائم والعمل ومن يتوقف يضيع فى الطريق ، وقد يأتى من يدهسه ويصعد على أكتافه إلى الأمام دون شفقة أو رحمة .

خطوة بعد أخرى تقترب، وتجربة بعد أخرى تنضج ، ومحاولة بعد أخرى تصل بك للإتقان والجودة ، ونجاح يأتى بعد الجهد والكفاح يصل بك للسعادة ، وتتمكن وقتها من السباحة فى نهر الحياة حتى لو قيدوك أو قاموا بتعصيب عيونك أو اضطررت للسباحة ضد تيار النهر ، فحتماً ستصل إلى مُبتغاك فى النهاية بالإصرار والعمل الصادق . يبقى الحب هو الضوء الذى يُنير الطريق ويشفى الروح ويُعطيها القوة والتوازن من أجل الاستمرار والتقدم ، ويشحن الجسد بالطاقة اللازمة للعمل والإنجاز دون الشعور بالتعب والإرهاق ، ومن يدرى؟ فقد تتخطى الدراجة كل الحواجز والطُرق وتتحدى قوانين الجاذبية الأرضية وتُحلق بعيداً ناحية القمر والنجوم .

الحياة مثل ركوب الدراجة لكى تحافظ عى توازنك يجب أن تستمر بالحركة ( ألبرت أينشتاين )

نُرشح لك للقراءة : الفعل ورد الفعل