نشرت تحت تصنيف فكر، قضايا إجتماعية، علم نفس

العلم والأخلاق

العلم هو الطريق للمستقبل ، وهو الضامن لتقدم البشرية فى شتى مناحى الحياة ، العلم هو الأفكار المادية التى تعتمد على بعض العوامل والمواد الملموسة ، وتقوم على نظريات تجريبية محسوبة داخل المُختبرات والمعامل العلمية ، العلم هو المعرفة الإنسانية لجميع قواعد الحياة وتفاصيلها المعرفية الدقيقة ، العلم هو من أهم الأسس التى تُبنى عليها الحياة المثالية الصحيحة للإنسان . والعلم من أهم ركائز المجتمعات وعناصر نهضة الأمم والشعوب لأنه يبنى الأفراد والمجتمعات ويسهل لهم أمور الحياة لتصبح أكثر رفاهية مع التطورات العلمية الحديثة فى كل مجالات الحياة . كما أن العلم هو نشاط منهجى منضبط يسعى إلى إنتاج المعرفة الموضوعية دون أن يعبأ بما إذا كانت سوف تحقق سروراً أو أمتعاضاً لدى الناس ، لذلك يجب أن يرتبط العلم بالأخلاق لتقديم ما ينفع البشرية ويتسق مع الأخلاق الحميدة للبشر .

الأخلاق هى أساس لجميع التعاملات البشرية ، هى ما يميز الإنسان ويسمو به عن بقية المخلوقات على الأرض ، والأخلاق عبارة عن أفكار معنوية وفلسفية بحتة ، ترتبط بالناس وتغيراتهم ، وتتغير مفاهيمها عبر المجتمعات والأزمنة المختلفة ، الأخلاق تقوم بالتمييز بين الصواب والخطأ فى أفعال الإنسان ، كما تقوم بالتمييز بين المجتمعات بناءاً على التصرفات الجماعية لإبناء المجتمع الواحد وعن إختلافهم عن المجتمعات الأخرى فى القواعد الأخلاقية السائدة فى كل مجتمع . عرفت المجتمعات أنواع كثيرة من الرُقى الأخلاقى عبر العصور مثل نهاية العبودية وتحرير المرأة والتحرر من الاستعمار ، تخلصت منهم البشرية بعد معاناة . الأخلاق لا تعنى أن تتصرف التصرُّف الحسن فقط ، بل أن تحدَّث النفس وتضمر ما هو حسن أيضاً، فكل تصرُّف أو حديث نفسى أو علنى سىء ، هو لا أخلاقى ودليل على سوء الأخلاق . الأخلاق تُكتسب وتُنتقى ونعمل على ترسيخها والتطبُّع بها بفعل التربية والنشأة السليمة ، والتربية هى العناية والحرص الشديد على الأمر أو الشىء حتى لا نفقده ، وجعل الأخلاق دليلاً فى أنفسنا وقوام شخصياتنا .

ارتباط العلم والأخلاق

يظن البعض أن العلم والأخلاق مفهومين منفصلين لا تجمعهم علاقة واحدة أو هدف واحد ، لكن فى الحقيقة العلم والأخلاق مرتبطان ببعضهما البعض ، فالعلم دون أخلاق هو مفتاح لكل المخاطر ، والأخلاق بدون علم هى جهل لن يُمكن صاحبه من اكتساب معايير صحيحة لأحكامه الأخلاقية . العلم المقرون بالخلق الحسن هو أساس نمو المجتمع وازدهاره ، وتطور الفرد وتميزه ، فإذا أقترن العلم بالخلق كان صاحب المهنة ناجحاً فى عمله ، صادقاً فى تعامله ، متميزاً فى مجاله ، مؤدياً واجبه على أفضل وجه ، وقد حث ديننا العظيم على حسن الخلق ، فصاحب الخلق الطيب يبلغ أرفع المنازل ، قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) : ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، فالأخلاق والعلم وحدهما يجعلان الإنسان ذا مكانة عالية ومرموقة مما يؤثر على المجتمع وتحسن سلوكه ، فصلاح الفرد من صلاح المجتمع . لذلك يرتبط العلم بالأخلاق ارتباطاً وثيقاً ، فالعلم النافع لا يقوم إلا بأخلاق حميدة ، ولا ينتشر إلا بصفاتها النبيلة ، فالتلميذ يتعلم من معلمه الخلق قبل العلم ، ليكتمل فى تكوينه الأدب ويترسخ فى عقله العلم حين يراه قولا وفعلاً ، والأخلاق هى فطرة الإنسان السليمة التى لا تتغير بإنقضاء وقت أو بتغير مكان ، قال أمير الشعراء أحمد شوقى : ( وإذا أُصيب القوم فى أخلاقهم … فأقم عليهم مأتماً وعويلاً ) ، أهمية الأخلاق والعلم تكمن بأنه ينتشر الخير بالأخلاق ويندثر الجهل بالعلم فيسود الرّقى المجتمعات وتسير الأمم فى ركب التقدم على هدى ونور .

قواعد العلم

العلم بدون أخلاق

فى العصر الحديث وصل العلم لمجموعة من التجارب الخطيرة ، وحدث تقدم رهيب فى مجال الأبحاث النووية وصناعة القنبلة الذرية ، وإن لم توجد قواعد أخلاقية تحدد طرق التعامل مع هذه التجارب وحصر إستخدامها فيما ينفع البشرية ، فإن العلم هنا سيتحول إلى قنبلة تُدمر البشرية وتقضى على تطورها للعديد من الأجيال . أننا نحتاج إلى بذل جهد كبير لإدراك كمية الشرور التى ألمت بالبشرية بسبب التقدم العلمى ، كما يرى العلماء أن العلم ليس هو سبب الشر ، فنحن لا نستطيع أن نلوم (مارى كورى) لأنها اكتشفت الخاصية الإشعاعية للراديوم، ولكن اللوم فى الحقيقة على السياسة التى أستغلت هذه المعرفة فى حسم الصراعات الدولية وفرض السيطرة على الآخرين ، وكذلك لجأ الأطباء إلى التجريب والملاحظة على الحيوانات ولكن ذلك لا يُغنى عن تجريب الدواء على الإنسان ، وإنطلاقاً من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة بدأ التجريب على بعض البشر دون علمهم ، وكان ذلك يتم على أفراد من فئات بعينها مثل المُحتضرين والمجانين والسُجناء والشعوب الفقيرة ، وكل ذلك يبين ما يمكن أن يصل له العلم بدون ضابط أخلاقى يحد من تأثيره الضار على الإنسانية كلها .

الأخلاق بدون علم

الأخلاق بدون علم تجعل عقل الإنسان مفتوحاً لاكتساب أى فكرة خطرة تلبس ثوب الأخلاق ، ومثال على ذلك التطرف الذى يسود المُجتمعات ، فكل المتطرفين لديهم إدعاء أن كل الأعمال التى يقومون بها تقوم على دعائم أخلاقية وتحارب الفساد الأخلاقى والدينى ، بينما هى فى حقيقتها أفكار مُتطرفة عن الأخلاق سادت لعدم وجود علم بالحياة والدين وبطبيعة البشر . البحث العلمى مهنة تحتاج فى ممارستها إلى ضوابط أخلاقية مثل أى مهنة أخرى ، فمع تقدم البيولوجيا والهندسة الوراثية والشعور بأن الإنسان يمكن أن يكون موضوعاً للتلاعب ، انطلقت مُطالبات بضرورة فرض رقابة أخلاقية على البحث العلمى فى هذه المجالات ، كما يرى آخرون أن الرقابة الأخلاقية التى تأتى من خارج العلم تُشبه الرقابة التى كان يُمارسها رجال الدين على العلم فى العصور الوسطى ، وبالتالى البحث العلمى فى خطر ، لكن حقيقة الأمر أن العلم ليس غريباً عن الأخلاق ولكن الأخلاق تنبع من داخله وليست مفروضة عليه من الخارج ، فالعلماء ينطلقون أساساً من قيم أخلاقية ولا سبيل لتصور العلم دونها ، من هذه القيم ، معرفة الحقيقة الموضوعية ، والتضحية بالاستمتاع والراحة من أجل المعرفة وكذلك الإيثار أى حب الخير للآخرين .

أهمية العلم والأخلاق فى المجتمع

  • الإنسان الذى يتحلى بالعلم والأخلاق يكون صاحب شخصية قوية ويحصل على ثقة الآخرين بسرعة .
  • العلم والأخلاق من الصفات التى تساعد الفرد على أن يكون إيجابى وسط الآخرين ، يساعدهم ويشجعهم للسعى إلى النجاح .
  • العلم والأخلاق من أهم عوامل رفعة المجتمع وسيادته .
  • الإنسان صاحب الأخلاق الكريمة يكون متفوقاً فى عمله وفى الخدمة التى يقدمها للمجتمع ، فهو يتقن عمله ويحاول أن يقدمه على أكمل وجه .
  • العلم والأخلاق من أهم عوامل زيادة التنافس الشريف فى المجتمع ، لأن الأشخاص تميل إلى تقليد الأشخاص الناجحة وتحاول أن تتبع خطاهم وتصرفاتهم ، وهذا يزيد سيادة الأخلاق الحميدة فى المجتمع .
  • انهيار قيم العلم والأخلاق تؤدى إلى انهيار المجتمع بأكمله ، لأن الجهل والفساد لهما أكبر تأثير على تدمير سلوكيات الأفراد نحو أنفسهم ونحو مجتمعاتهم ، لذلك كلما ارتفعت قيم العلم والأخلاق فى المجتمع كلما زاد رقيه وتقدمه .

عالمة فى معمل

العلم هو أساس تنمية المجتمعات وإحيائها، كما أنه فرض على جميع أفراد المجتمع وضرورى فى عصرنا الحالى ، يُعتبر العلم هو القائد والمتحكم فى مختلف أمور الحياة ، كما تُساعد العلوم الناس على حل المُشكلات وابتكار أساليب جديدة للتعامل مع مواردهم، كما أن الأخلاق تُحافظ على وحدة المجتمع والتفاعل بين جميع الأفراد وبالتوازى مع العلم فهى تُشكل الركيزة الأساسية لنهضة المجتمع والفرد فى نفس الوقت ، لذلك يجب على جميع الأفراد فى المجتمع المحافظة على الموازنة بين الأخلاق والعلم مما يُحقق الأمان المجتمعى داخل المجتمع . كما أن الدول المتقدمة لديها دائماً مفهوم علمى مُتعلق بالأخلاق ، ولديهم مادة يتم تدريسها فى المناهج بالإضافة إلى المواد الأخرى مثال على ذلك دولة اليابان ، وهى دولة تُعتبر من أكثر الدول تقدماً ، كما تسعى إلى زرع الأخلاق الحسنة فى قلوب الأطفال فى سن الطفولة ، مما يمكنها من أن تبنى جيلاً قوياً من الشباب الواعى القادر على التنمية والإصلاح والإبداع والابتكار لصالح المجتمع .

المراجع

  • مقالات وبيانات من شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)

نُرشح لك للقراءة :الجهل والعداء

نشرت تحت تصنيف قضايا إجتماعية، تعليم، علم نفس

بناء الإنسان

الإنسان هو صانع الحضارة على الأرض، تَميز عن سائر المخلوقات بالعقل الراجح فأصبح خليفة الله على أرضه، والعنصر الرئيسى فى تقدم وتخلف المجتمعات والدول ، لذلك تُمثل عملية صناعة الإنسان أهم عملية فى طريق نهضة الأُمم لعبور الأزمات وبلوغ التقدم والرقى فى جميع المجالات. هل يجب أن نبنى الإنسان؟! … بكل تأكيد نعم … يجب أن نصب كل الاهتمام ببناء الإنسان لأن لا قيمة لأى بناء مهما علا، ولا لأى مشروع أو مؤسسة ما لم نبنى الإنسان القادر على إدارة كل هذا بشكل فعال يحقق أعلى ناتج وربح يساعد على تقدم المجتمع . الفرد فى حاجة إلى عمليات ( غسيل للعقل ) من المعتقدات الخاطئة والخرافية والتقاليد السيئة ، والتفسيرات الدينية الخاطئة والمُتشددة مع بيان الفهم الصحيح وإعلاء قيم السماحة فى الأديان .

لا يكفى لصناعة الإنسان أن نجعل منه طبيب أو عامل أو مهندس بل يجب أن يتمتع غالبية الأفراد فى المجتمع بالثقافة اللازمة لتشكيل الوعى السياسى والاجتماعى لمواجهة جميع الأخطار والمُشكلات التى تواجه الشعوب والمُجتمعات مع القدرة على التغلب عليها بالعمل والاجتهاد . أولى خطوات نشر الوعى هى تعريف الأفراد ببلادهم على الواقع دون مبالغات أو شعارات رنانة ، وسيكتشف الناس أنفسهم عندما يكتشفون واقع بلادهم بما فيها من إيجابيات وسلبيات .

من يبنى الإنسان؟

يقع العبء الأكبر فى بناء الإنسان على الأسرة والمجتمع والحكومات ، فنجد أن الإنسان الفاشل فى أسرته و مجتمعه لا يتمكن من المساهمة فى صناعة ورقى المجتمع والدولة، كما نجد أن الدول المُتقدمة هى من استطاعت توظيف قدرات أفرادها الجسدية والفكرية فأثبت الإنسان فيها كفاءته ونجح فى بناء مجتمعات راقية تعتمد على العلم والثقافة والعمل . تتصدر المؤسسات التعليمية والثقافية القائمة فى عملية بناء الإنسان فهى المنوط بها عملية التعليم منذ الطفولة والشباب ،تعمل على نشر الوعى والفكر السليم فى برامج التعليم والأنشطة المختلفة ، كما تأتى المؤسسات الدينية فى مكانة عالية بما تُمثله من قيمة روحية سامية لدى الناس، تُمثل وسائل الإعلام والتواصل بين الناس فى المجتمع عامل مؤثر وقوى فى توجيه الفكر المجتمعى نحو نبذ سلوكيات وأفكار معينة مع الاحتفاء بكل ما هو جيد نافع للمجتمعات .

الحديث عن الثقافة والوعى هو حديث يشمل الأدب والسينما وكل الفنون لأن الفن هو مرآة الشعوب المتحضرة ، الفن الحقيقى هو من يهتم بقضايا الناس ويخاطب العقل ويحترم ذكاء المُتلقى فيخلق لديه القدرة على طرح التساؤلات عن الحياة والواقع والمستقبل ، الإنتاج الفنى الحقيقى هو الذى يرتقى بالإنسان ويُرسخ لديه مفهوم الإبداع والتَميُز، كما يعمل على رفع الهمم وزرع الثقة فى النفوس وتكوين الشخصية القوية القادرة على إيجاد حلول للأزمات وصناعة الحضارات .

صناعة العقل

علم صناعة الإنسان!

بعد الثورة الصناعية فى العصر الحديث تحولت عملية الصناعة لتصبح أهم عملية يقوم بها الإنسان بعد أن كان يعتمد على الزراعة بصورة أكبر ، تقوم عملية الصناعة على تحويل المواد البدائية لمُنتجات تُفيد البشر ، نحن فى حاجة لتطبيق العلم على عملية بناء الإنسان ليفيد المجتمع كذلك . المُلاحظ فى السنوات الأخيرة الإتجاهات العلمية لظهور علم خاص قائم على صناعة الإنسان من بداية تدرُج ظهور العلوم الإنسانية من علوم الاجتماع وعلم النفس حتى ظهور علوم جديدة مثل التنمية البشرية وعلم إدارة الموارد البشرية بما يؤسس بصورة واضحة لظهور علم جديد لصناعة الإنسان خلال خطوات واضحة ومُحددة :

أولا/ اكتشاف ميول ورغبات الإنسان : نكتشف ما يهتم به الإنسان والمجال المُتناسب مع قدراته ورغباته .

ثانيا/ تأهيل وتوجيه الإنسان : نؤهل الإنسان ليصبح شخص منتج ،نرفع كفاءته ونستثمر قدراته ونُنمى شخصيته على العمل الجماعى المُؤسسى والإبداعى .

ثالثا/ ترسيخ البناء الإنسانى : يُعبر الإنسان عن نفسه وقدراته خلال مشروع عملى واقعى، نوفر رأس المال اللازم للمشاريع الناشئة ونتابعها حتى النجاح والاعتماد على النفس .

كل المؤشرات تدل على أننا لو تمكنا من بناء الإنسان قوياً راسخاً بالعلم والقيم سيصبح المجتمع خالياً من كل العيوب التى تُعيق مسيرة التقدم والتطور ، سنجد كل أصحاب المهن يبدعون ويُخرجون أقصى طاقاتهم لخدمة المجتمع والناس ،ربما تختفى الكثير من أمراض المجتمع الشائعة فى اللامبالاة والأنانية والجشع والطمع والسلبية أو يقل وجودها وانتشارها بين الناس فيسير المجتمع نحو التقدم والازدهار ولو بخطوات بطيئة أفضل من الثبات على حاله أو التأخر للخلف والانحدار .

نُرشح لك للقراءة : الجهل والعداء