نشرت تحت تصنيف قصة، قصة قصيرة

طيارة ورق

أحصى النقود ثلاث مرات … وصلت للثمن المطلوب، تَسمر أمام المتجر يراقبها من بعيد لمرة أخيرة … خطفت أنظاره كأول مرة رآها … ألوان زاهية، الذيل الطويل يرفرف … حَلُم بها تطير وتأخذه لبلاد بعيدة … متشجعاً دخل المتجر، طلبها وسلم البائع النقود … سلمها له البائع مبتسماً، احتضنها وخرج للطريق … تفحصها بلهفة … لا ثقوب فى الجسد البلاستيكى … الخيط طويل … ميزان الطيران مضبوط … حملها وطار نحو المنزل منتشياً.

صعد سطح المنزل بسرعة … وصل الخيط فى مكانه بجسم الطائرة … لعب فى الذيل، موصول بمادة لاصقة جيداً … طائرات أخرى تظهر فى الأفق، تبث السعادة فى نفسه … حملها وسار … ألقاها لأعلى مراراً، تهبط لأسفل سريعاً … بدأ فى الركض بها، أرتفعت قليلاً وعادت للسقوط … داوم التجريب والحركة زاد الإرتفاع … موجة هواء حملتها لأعلى أخيراً … بدأ يوجه مسارها، مدد الخيط قليلاً قليلاً … شقت طريقها نحو السماء … روحه وأحلامه تصعد معها … أدار الخيط إلى اليمين واليسار، تراقصت الطائرة فى الهواء … زادت النشوة داخله … يركض تركض الطائرة معه، يقف تتمايل فى الهواء بدلال … طافت حول المنطقة كلها، يحلم بقيادة طائرة حول العالم.

مرت ساعات الحلم سريعاً، الهواء يضطرب … السماء تغيم، جاهد ليُثبت الخيط فى يده … زاد الإهتزاز … إبتعدت الطائرة … عاد الخيط وحده، سقطت بعيداً ومعها قلبه، صرخ بشدة … حدد بالتقريب مكان السقوط، طوى درجات السلم … ركض فى الشارع كالمجنون … الدموع فى عيونه، وجدها مُعلقة أعلى عمود إنارة … لا يجد ما يجذبها به! .. قذفها بالحصى لعلها تسقط! .. طاشت محاولاته … قلت طاقته … جلس يفكر، يوفر النقود لشراء طائرة جديدة؟! لكن لو سقطت مثل الأولى؟! لا هذا فوق التحمل! يتركها وينساها؟! ينسى روحه وأحلامه السعيدة؟! لن يتركها ولن ينساها! سيمر عليها يومياً … يُمتع العين برؤيتها ولو من بعيد!.

يراها فى طريقه للمدرسة … فُسحة الروح الوحيدة … عزاء القلب الحالم من الحياة الرتيبة. الأيام تمر … عود الصبى طال … رأسه تكبُر، أتى الشتاء ببرودته … سقط المطر، تخلف عن زيارتها بعض الأيام … أكتفى بذكرياته معها، مر عام آخر … فكر فيها قليلاً … ذهب لرؤيتها أقل.

زاد عدد الأصدقاء … توقفت الطائرة عن زيارته فى المنام … أتى الصيف بشمسه الساطعة، مر بالجوار … نظر لعمود الإنارة لم يجدها! سقطت أسفل … أقترب منها، تغيرت كثيراً … تكسرت أعواد البوص … إختفى الغطاء البلاستيكى … تأكلت الخيوط … كيان باهت بين يديه! .. أدارها على وجهها … تركها فى مكانها، أكمل طريقه ناحية ملعب كرة القدم .

أغنية طيارة ورق

المعلق:

عمر درويش مدون وكاتب مصرى مهتم بالأدب والكتابة والتعليم

34 رأي على “طيارة ورق

  1. Thank you for this beautiful short story
    We used to call the plane “kite” in our country
    Your story reminded me of my childhood
    Your blog is very interesting I have followed it, and will keep reading your posts

    Liked by 2 people

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.